Monday, April 1, 2019

مضت ستة أشهر ولم يمثل بعد قتلة تارة أمام العدالة، ويبدو

كما عبرت شابة أخرى معروفة هي دموع تحسين، وهي التي فازت عام 2018 باللقب في النسخة العربية لبرنامج "ذا فويس" للمواهب، عن صدمتها وغضبها. وقالت في مقطع على وسائل التواصل الاجتماعي: "فقدت الأمل في هذا البلد. هل هذا هو العراق الذي كان الجميع يحلم باسمه؟"
شيماء ودموع من جيل تارة، جميعن من بنات العشرينيات اللاتي نشأن في وقت شهد فيه العراق عنفا متزايدا. كانت تارة في السابعة من العمر عام 2003 حين سقطت بغداد في أيدي القوات الأمريكية والبريطانية.
وفي مقابلة على يوتيوب قبل أشهر من موتها قالت تارة "كان عنا حرب، ما زلت أذكر أصوات الحرب وطلقات الرصاص". وعام 2006، اندلعت حرب طائفية قتل فيها آلاف المدنيين.
تقول "لبنى"، وقد آثرت إخفاء اسمها الحقيقي، وهي محاضرة شابة في إحدى جامعات بغداد: "في فترة ما بعد الحرب، كان هدف النساء الوحيد حماية أنفسهن من العنف الدائر بسبب الفوضى المجتمعية".
وتضيف: "حاولت النساء مواصلة الحياة مع من تبقى من أفراد أسرهن بعد أن فقدن أزواجا وأبناء وتعين على الكثيرات ترك منازلهن والنزوح لأماكن أخرى".
ويتذكر الإعلامي ساري حسام: "كانت أحياء بغداد مدمرة، والموت والكآبة في كل مكان".
أول مرة التقى ساري بتارة كانت عام 2014 خلال مسابقة "ملك وملكة الأناقة" التي جمعت كثيرا من المتطوعين في جمعيات المجتمع المدني الناشئ. كانت تارة واحدة من بين المتطوعين، في قرابة الثامنة عشرة من عمرها، وكانت قد تركت المدرسة، وانفصلت عن زوجها، ورزقت بطفلها الوحيد الذي أُخذ منها.
يتذكر ساري كيف كانت تارة "منطوية وقليلة الثقة بنفسها"، لكنها سرعان ما تغيرت وأصبحت شخصا لا يخشى الحياة.
في العام نفسه، عام 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "الخلافة" في العراق وانتشرت أخبار ما ارتكبه أفراد التنظيم من فظائع وقطع رؤوس، لذا، وحتى في المناطق التي لم يكن التنظيم يسيطر عليها، زادت خشية النساء من التعبير عن أنفسهن والحياة بحرية.
في ذلك العام، تركت "لبنى" بغداد لأنها لم تستطع القيام بما تريد من أشياء حتى البسيط منها كارتداء الملابس التي تحبها، وبعد أربع سنوات، عادت إلى العاصمة وكان ذلك قبل شهر واحد من موت تارة.
تارة نفسها قررت العيش في أربيل، في المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي شمال العراق، حيث اعتبرت أكثر أمنا من بغداد، وتجاسرت على المجازفة والتعبير عن نفسها، ما دفع الناس إلى انتقادها على الدوام. قالوا عنها "عاهرة"، كما قيل إن من عمل معها من مصورين وصحفيين، مثلا، قد جلب العار على أسرته، ورغم ذلك مضت في طريقها.
وبعد موت تارة، كما كان الحال في الفترة التي سبقت مقتلها، تلقت نساء أغلبهن من الفنانات والناشطات، رسائل تهديد، بعضهن تسلم الرسالة ذاتها: "أنت التالية. ستقتلين الخميس المقبل".
عم الخوف النفوس، ما حدا ببعض الأسر إلى دفع بناتها، وأبنائها أحيانا، إلى ترك البلاد حتى تهدأ الأوضاع، في حين بقي البعض داخل البلد، وآثر التواري عن الحياة العامة.
تصف فاتن خليل الحطاب نفسها كناشطة نسوية، وتقول إنها أصبحت معروفة في العراق بعد مقابلة تلفزيونية تصدت فيها لزواج القاصرات.
قررت فاتن ترك العراق عقب موت تارة وهي الآن تسعى إلى الحصول على اللجوء في تركيا، وتقول إنها تلقت تهديدات بالقتل على حسابها على انستغرام، كان فحواها إن الدور آت عليها.
كما فرت شابة أخرى، آثرت إخفاء اسمها ومجال عملها والاكتفاء بالقول إنه أحد المجالات الفنية، بعد أن تلقت رسالة تهديد قبل موت تارة بفترة قصيرة وقررت الرحيل إلى أربيل ووقف كافة حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. وسبق ذلك تعليقات عدائية تلقتها من قبيل "ما تفعلينه حرام"، ورأى والداها أن من الأفضل لها أن تترك المدينة حتى تستقر الأوضاع، ولم يكن ذلك سهلا عليها.
تقول إن بغداد "مدينة متعبة ومؤذية، ولكني أحبها رغم ذلك ولا أعرف كيف أشرح ذلك".
تعتقد هناء ادوار، وهي ناشطة عراقية في السبعينيات من عمرها، أن شيئا قد تغير بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق صيف 2017، وبدأت البلاد تعود إلى طبيعتها وتجرأت نساء أكثر على المشاركة في الحياة العامة.
ولكن بعض الجماعات، التي لم تسمها، لم يعجبها ذلك إذ يريدون أن تلزم المرأة البيت.وتتذكر: "بعد تصفية وجود داعش عادت الحياة لتأخذ طابعا مدنيا في البلد. لن أنسى في حياتي الألعاب النارية التي لونت مرة أخرى سماء الكثير من مدن العراق عشية العام الجديد. خرج الرجال والنساء والأطفال إلى الشوارع وعم شعور بالانفراج والتحول".
وتشير الناشطة للعدد المتزايد من النساء اللاتي شاركن في الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، وكانت أول انتخابات بعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية، وقد شاركن رغم المضايقات والإساءات من قبل رجال لم يعجبهم الوجوه الواثقة "والهيئات اللطيفة" للمرشحات على اللافتات الانتخابية.
وتقول هناء إنه تم تسريب فيديوهات ذات محتوى جنسي زعم أنها لمرشحات لترهيبهن و"لينسحبن طوعا" من العمل السياسي. ولكن رغم ذلك، كان أكثر من ربع البرلمان من النساء، أي أنها تفوق نسبة النساء بالكونغرس الأمريكي.
وتضيف هناء ادوار أن النساء عدن إلى الحياة المدنية وشاركن في أنشطة عدة "كالتظاهر، والمطالبة بالقضاء على الفساد، إلى جانب افتتاح معارض فنية".
ولكن لبنى، التي تعمل في التدريس الجامعي، تقول إن المجتمع "ليس مستعدا بعد لقبول ذلك"، رغم أنها لاحظت عند عودتها إلى بغداد أن الأمور تغيرت وأصبحت النساء أكثر ظهورا في المجال العام. وتقول إن المرأة "فرضت وجودها من خلال عملها" وأن الجمعيات غير الحكومية "أدت دورا كبيرا في إعادة النساء للحياة العامة".
وتعكس ملابس النساء الوضع العام والضغوط المفروضة على النساء على نحو كبير؛ ففي حي المنصور بوسط بغداد تقول لبنى إنها تستطيع أن ترتدي تي شيرت وبنطال جينز، أما في مدينة الصدر فتلبس قميصا طويلا وسروالا فضفاضا وتتلفح بعباية. وفي السليمانية بكردستان العراق تشعر كأنها في إسطنبول إذ لا يلقي أحد بالا لما تلبسه النساء. تقول لبنى: "ما جرى مؤخرا من جرائم قتل يظهر أن النساء لعبن دورا أكبر مما يتقبله المجتمع وأن المجتمع يخشاهن".

No comments:

Post a Comment